أحاديث
عشر ذي الحجة
وأيام
التشريق
عبد
الله بن صالح الفوزان
المقدمة
الحمد
لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات ، ليغفر لهم الذنوب ، ويجزل لهم الهبات ،
وفَّق من شاء لاغتنامها فأطاعه واتّقاه ، خذل من شاء فأضاع أمره وعصاه .
أحمده
وأشكره ، أكمل لنا الذين ، وأتمَّ علينا النعمة ، رضي لنا الإسلام ديناً ، وشرع
لنا الأعمال الصالحة ، ووفق للقيام بها ، ورتب عليها الأجر .
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلوات الله
وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما
بعد :
فهذه
رسالة مشتملة على جُملٍ مختصرة من الأحكام والآداب المتعلقة بعشر ذي الحجة وأيام
التشريق ، كتبتها شرحاً لأحاديث جمعتها في هذا الموضوع ، على المنهج الذي سلكته في
«
أحاديث الصيام »
وقصدي بذلك أن يكون بيد إمام المسجد كتاب مناسب للقراءة به في أيام العشر بعد صلاة
العصر - كما جرت عليه عادة الأئمة عندنا - وإلا فالقراءة بعد أذان العشاء لها كتاب
«
مجالس عشر ذي الحجة »
وغيره مما أُلِّفَ في بابه .
وأرجو
من إمام المسجد أن يبدأ بالقراءة به قبل دخول العشر بيومين لأجل أن تنتظم أحاديثه
ولا يختل ترتيبها .
وجعلت
في آخرها رسالة صغيرة في «
أحاديث شهر الله المحرم »
على المنهج المذكور ، ولا سيما ما ورد من الأحاديث في صيام عاشوراء ، وما يتعلق به
من أحكام .
والله
أسأل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، مقربة إليه في جنات النعيم ، وأن ينفع بها من
كتبها أو قرأها أو سمعها ، إنه قريب مجيب ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين .
[29/11]
فضل العشر والعمل الصالح فيها
عن
ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي r قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله منه في
هذه الأيام العشر ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ،
إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ) أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي
وابن ماجه وأحمد (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على فضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة ، لأن النبي r
شهد بأنها أفضل أيام الدنيا ، ولأنه حث على العمل الصالح فيها.
وفيه
دليل على أن كل عمل صالح في هذه الأيام فهو أحب إلى الله تعالى منه في غيرها ،
وهذا يدل على فضل العمل الصالح فيها وكثرة ثوابه ، وأن جميع الأعمال الصالحة تضاعف
في العشر من غير استثناء شيء منها .
وعن
ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي r
قال : ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ،
ولا أعظمُ أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى
) قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ( ولا
الجهاد في سبيل الله - عز وجل - إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء
) رواه الدارمي بإسناد حسن(2) .
وإن
إدراك هذه العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على عبده ، لأنه يدرك موسماً من
مواسم الطاعة التي تكون عوناً للمسلم - بتوفيق الله - على تحصيل الثواب واغتنام
الأجر ، فعل المسلم أن يستشعر هذه النعمة ، ويستحضر عظم أجر العمل فيها ، ويغتنم
الأوقات ، وأن يُظهر لهذه العشر مزية على غيرها ، بمزيد الطاعة ، وهذا شأن سلف هذه
الأمة ، كما قال أبو عثمان النهدي - رحمه الله -: ( كانوا يعظمون ثلاث عشرات :
العشر الأخير من رمضان ، والعشر الأَوَّلَ من ذي الحجة ، والعشر الأَوَّلَ من
المحرم ) (1) .
وفي
العشر أعمال فاضلة وطاعة كثيرة ، ومن ذلك :
1
- الإكثار من نوافل الصلاة ، والصدقة ، وسائر الأعمال الصالحة ، كبر الوالدين ،
وصلة الأرحام ، والتوبة النصوح ، وحسن الإنابة ، ونحو ذلك.
2
- الإكثار من ذكر الله تعالى ، وتكبيره ، وتلاوة كتابه .
3
- الصيام ، فإن صيام تسع ذي الحجة وإن لم يثبت فيها دليل بخصوصه في العشر ، لكنه
من أفضل الأعمال الصالحة التي حث عليها النبي r
، فيكون استحباب صومها مستفاداً من عموم الأدلة .
4
- الحج والعمرة ، وهما من أفضل الأعمال ، كما سيأتي إن شاء الله .
5
- الحرص على الأضحية وعدم التهاون فيها ، لعظم أجرها عند الله تعالى .
اللهم
أيقظنا من رقدات الغفلة ، ووفقنا للاستعداد قبل النُّقلة ، وارزقنا اغتنام الزمان
وقت المهلة ، وألهمنا الاستفادة من مواسم الخيرات ، وصلّى الله وسلم على نبينا
محمد …
[30/11]
ما يجتنبه في العشر من أراد الأضحية
عن
أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي r قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك
عن شعره وأظفاره حتى يضحي ) وفي رواية : ( قلا يَمَسَّ من شعره وبشرته شيئاً )
أخرجه مسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على أنه إذا دخلت العشر وأراد الإنسان أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره ولا من
أظفاره ولا من بشرته شيئاً إلى أن يذبح أضحيته ، فإن كان له أكثر من أضحية جاز له
الأخذ بعد ذبح الأولى .
وأظهر
قولي أهل العلم أن ذلك للتحريم ، لأنه الأصل في النهي ، فإن تَعَمَّدَ وأخذ فعليه
التوبة والاستغفار ، ولا فدية عليه إجماعاً ، ولا يؤثر ذلك على أضحيته .
وهذا
النهي يخص صاحب الأضحية ، لقوله : ( وأراد
أن يضحي ) فلا يعم الزوجة ولا الأولاد إذا أراد
أن يُشْرِكَهُمْ معه في الثواب .
ومن
ضحى عن غيره بوصية أو وكالة فلا يحرم عليه أخذ شيء من شعره أو ظفره أو بشرته ، لأن
الأضحية ليست له .
ومن
أخذ من شعره المباح أَخْذُهُ ، أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها
في أثناء العشر أمسك من حين الإرادة .
ومن
احتاج إلى أخذ شيء من ذلك لتضرره ببقائه كانكسار ظفر أو جرح عليه شعر يتعين أخذه
فلا بأس ، لأن المضحي ليس بأعظم من المحرم الذي أبيح له الحلق إذا كان مريضاً أو
به أذى من رأسه ، لكن المحرم عليه الفدية ، والمضحي لا فدية عليه .
ولا
يجوز للمرأة أن توكل أحداً على أضحيتها لتأخذ من شعرها - كما قد تفهمه بعض النساء
- لأن الحكم متعلق بالمضحي نفسه سواء وَكَّلَ غيره أم لا ، وأما الوكيل فلا يتعلق
به نهي .
ولا
حرج في غسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر ، لأنه r
إنما نهى عن الأخذ ، ولأن المحرم أُذِنَ له أن يغسل رأسه .
ومن
أراد أن يضحي ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من أشعاره وأظفاره عند الإحرام ، لأن
هذا سنة عند الحاجة ، فيرجح جانب الترك ، لكن إن كان متمتعاً قصَّر من شعره إذا
فرغ من عمرته ، لأن ذلك نسك على أرجح الأقوال ، وكذا إذا رمي جمرة العقبة يوم
العيد .
اللهم
عاملنا بإحسانك ، وتولَّنا برحمتك وغفرانك ، ولا تحرمنا بذنوبنا ، ولا تطردنا
بعيوبنا ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد
..
[1/12]
وجوب الحج والمبادرة به
عن
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي r قال : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )
أخرجه البخاري ومسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على وجوب الحج وأنه ركن من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً ، قال تعالى
: ]وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [[آل
عمران/97] .
ومن
فضل الله تعالى ورحمته وتيسيره أن الحج فَرْضٌ مرةً في العمر ، لقوله r
: ( الحج مرةً ، فمن زاد فهو تطوع
) أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي ، وإسناده صحيح (2) .
يجب
على المسلم المبادرة بالحج إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع ، فإن الإنسان لا يدري
ما يعرض له من الموانع .
وقد
ورد عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال : قال رسول الله r
: ( تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن
أحدكم لا يدري ما يَعْرِضُ
له ) أخرجه أحمد (3).
وقد
وردت عدة أحاديث مفادها وجوب المبادرة والسعي لأداء فريضة الحج ، ولا يخلوا شيء
منها من مقال في سنده ، لكنها مع تعددها واختلاف طرقها تدل على وجوب الحج على
الفور ، وتعتضد بآيات من كتاب الله تعالى ، لقوله جل وعلا : ]وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ [[آل
عمران/133] ، وقوله تعالى : ]فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ[[البقرة/148]
.
فالواجب
على كل مسلم ومسلمة أن يبادر إلى أداء هذا الركن العظيم متى استطاع إلى ذلك سبيلاً
، وعلى المستطيع من الآباء والأولياء العمل على حَجِّ من تحت ولايتهم من الأبناء
والبنات وغيرهم ، لعموم قوله r
: ( كلكم راعٍ ، وكلكم مسئول عن رعيته
) متفق عليه (1) .
ويتأكد
ذلك في حق البنت قبل زواجها ، لأن حجها قبل أن تتزوج سهل وميسور ، بخلاف ما إذا
تزوجت فقد يعتريها الحمل والإرضاع والتربية ، ونحو ذلك من العوارض الطارئة .
وليس
للزوج أن يمنع زوجته من حجة الإسلام ، لأنها واجبة بأصل الشرع ، وينبغي للزوج إن
كان قادراً أن يكون عوناً لزوجته على أداء فريضتها ، ولا سيما من كان حديث عهد
بالزواج ، فيسهل مهمتها ، إما بسفره معها ، أو بالإذن لأحد إخوانها أو غيرهم من
محارمها بالحج بها ، وعليه أن يَخْلُفَها في حفظ الأولاد والعناية بالمنزل ، فهو
بذلك مأجور .
اللهم
أيقظنا من نوم الغفلة ، ونبِّهنا لاغتنام أوقات المهلة ، ووفقنا لمصالحنا ،
واعصمنا من ذنوبنا وقبائحنا ، واستعمل في طاعتك جميع جوارحنا ، واجعلنا هداةً
مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
[2/12]
فضل الحج وما ينبغي للحاج أن يتصف به
عن
أبي هريرة t قال : سمعت رسول الله r يقول : ( من حج فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع من ذنوبه كيومَ
ولدته أمه ) أخرجه البخاري ومسلم ، وفي لفظ لمسلم : ( من أتى هذا البيت فلم
يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجع كما ولدته أمه ) (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على فضل الحج وعظيم ثوابه عند الله تعالى ، وأن الحاج يرجع من حجه نقياً من
الذنوب ، طاهراً من الأدناس ، كحاله يوم ولدته أمه ، إذا تحقق له وصفان :
الأول
: قوله : ( فلم يَرْفُثْ
) وهو بضم الفاء ، مضارع رَفَثَ ،
والرَّفَثُ - بفتح الراء والفاء - :
ذِكْرُ الجماع ودواعيه إما إطلاقاً ، وإما في حضرة النساء بالإفضاء إليهن بجماع أو
مباشرة لشهوة .
الوصف
الثاني : ( ولم يَفْسُقْ )
أي : ولم يخرج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي ، ومنها محظورات الإحرام ، قال
تعالى : ]
فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي
الْحَجِّ [
[البقرة/197] والمعنى
: فمن أوجب فيهن الحج على نفسه بأن أحرم به فليحترم ما التزم به من شعائر الله ،
وَلْيَنْتَهِ عن كل ما ينافي التجردَ لله تعالى وقَصْدَ بيته الحرام ، فلا يرفث
ولا يفسق ولا يخاصم أو ينازع في غير فائدة ، لأن ذلك يخرج الحج عن الحكمة منه ،
وهي الخشوع لله تعالى والاشتغال بذكره ودعائه .
فالواجب
على حجاج بيت الله الحرام أن يحرصوا على تحقيق أسباب هذه المغفرة الموعود بها ،
وذلك بأن يستقيموا على طاعة الله تعالى ، وأن يحفظوا حجهم ، ويصونوه عما حرم الله
عليهم من الرفث والفسوق والجدال ، وأن يحذروا كل الحذر من الذنوب والمعاصي التي
يتساهل بها كثير من الناس في زماننا هذا ، فإنها منهي عنها في جميع الأوقات
والأحوال ، ولكنه خَصَّ ذلك بحالة الحج لشرف الزمان والمكان وعِظَمِ حرمات الله
تعالى ، فإن المتلبس بالحج يكون أولاً في إحرام ثم تزداد عليه الحرمة بدخوله في
الحرم ، ثم تزداد بمزاولته أعمال الحج ، فوجب عليه أن يكون على أَتَمِّ صفة وأحسنِ
حال .
ويجب
على من عزم على الحج أن يعرف أحكامه وصفة أدائه ، فيعرف صفة الإحرام ، وكيفية
الطواف ، وصفة السعي ، وهكذا بقية المناسك ، لأن شرط قبول العمل : أن يكون خالصاً
لوجه الله تعالى ،
وموافقاً لما شرعه في كتابه أو على لسان نبيه r
، ليعبد المؤمن ربه على بصيرة ، ويحقق متابعة النبي r
، وقد قال النبي r
:( لتأخذوا مناسككم
) أخرجه مسلم (1) .
ووسيلة
ذلك أن يسأل أهل العلم عن كيفية أداء المناسك ، أو يقرأ في كتب المناسك –
إن كان ممن يقرأ ويفهم –
أو يصحب رفقة فيهم طالب علم يستفيد منه .
ومن
الناس من يقع في الخطأ في أداء هذه الشعيرة العظيمة ، كصفة الإحرام أو صفة الطواف
أو السعي أو غيرها لأسباب :
1-
الجهل
بأحكام المناسك .
2-
عدم
سؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم .
3-
سؤال
من ليس من أهل العلم .
4-
تقليد
الناس بعضهم بعضاً .
اللهم
وفقنا لما يرضيك ، وجنبنا معاصيك ، واجعلنا من عبادك الصالحين ، وحزبك المفلحين ،
واعف عنا ، وتب علينا ، واغفر لنا ولوالدينا ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
[3/12]
فضل الحج المبرور وصفته
عن
أبي هريرة t أن رسول الله r قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور
ليس له جزاء إلا الجنة ) أخرجه البخاري ومسلم (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على فضل الحج المبرور وعظيم جزائه عند الله تعالى ، حيث إن صاحبه يكون من
الفائزين برضوان الله وجنته .
وعن
أبي هريرة - أيضاً - t
قال : سئل رسول الله r
أيُّ العمل أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله
ورسوله ) قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( الجهاد في سبيل الله
) قيل : ثم ماذا ؟ قال : ( حج مبرور
) متفق عليه (2) .
والحج
المبرور له أوصاف :
الأول
: أن تكون النفقة من مال حلال ، قال النبي r
: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً
… )
أخرجه مسلم (3) .
الثاني
: إخلاص العمل لله تعالى ومتابعة الرسول r
.
الثالث
: البعد عن المعاصي والآثام ، والبدع والمخالفات .
الرابع
: حسن الخلق ، ولين الجانب ، والتواضع في مركبه ومنزله ، في تعامله مع الآخرين ،
وفي جميع أحواله ، كما كان عليه النبي r
في حجته ، قال ابن عبد البر - رحمه الله -
: ( الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه
ولا سمعة ، ولا رفث ولا فسوق ، ويكون بمال حلال
…
) (4) .
ومما
يتأكد في حق الحاج أن يعظم شعائر الله تعالى ، ويستشعر فضل المشاعر وقيمتها ،
فيؤدي مناسكه على صفة التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين ، وعلامة
ذلك أن يؤدي شعائر الحج بسكينة ووقار ، ويتأنى في أفعاله وأقواله ، ويحذر العجلة
التي عليها كثير من الناس في هذا الزمان ، ويُعَوِّد نفسه الصبر في طاعة الله
تعالى ، فإن هذا أقرب إلى القبول وأعظم للأجر .
وقد
حث الله تعالى عباده على تعظيم شعائره وإجلالها ، وحفظ حرماته وصيانتها ، فقال
تعالى : ]
ذلِك وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [
[الحج/30] وقال تعالى : ]
ذلِك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [
[الحج/32] .
والمراد بحرمات الله
: كل ما له حرمة ، وأُمِرَ باحترامه ، من عبادة أوغيرها ، ومن ذلك المناسك كلها ،
والحرم ، والإحرام …
وشعائر الله : أعلام
الدين الظاهرة ، ومنها المناسك كلها ، كما قال تعالى : ]
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [
[البقرة/158]
.
فتأمل - أخي المسلم –
ذلك ، فإن الله تعالى جعل تعظيم شعائره ركن التقوى وشرط العبودية ، وجعل تعظيم
حرماته سبيلاً لنيل العبدِ ثوابَ الله تعالى وجزيل عطائه .
ومن تأمل في حجة
النبي r
ونظر فيها نظر المستفيد المتأسي لاح له تعظيم شعائر الله بأبرز صُوَرِهِ ، وأوضح
معانيه ، في جميع أقواله وأفعاله ، صلوات الله وسلامه عليه (1) .
اللهم اجعل عملنا
صالحاً ، ولوجهك خالصاً ، ووفقنا لما تحب وترضى ، واحشرنا في زمرة المتقين ،
وألحقنا بعبادك الصالحين ، واغفر لنا ولوالدين ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم
على نبينا محمد …
[4/12]
الترغيب في الأضحية وبيان فضلها
وعن
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : ( أقام النبي r بالمدينة عشر سنين يضحي ) أخرجه أحمد والترمذي ، وسنده حسن (2)
.
*
* *
في
الحديثين دليل على مشروعية الأضحية والترغيب فيها والحث على فعلها ، لأن النبي r
إذا فعل شيئاً على وجه الطاعة والقربة ولم يكن مختصاً به كان ذلك مستحباً في حق
أمته على أرجح الأقوال .
وقد
اختلف أهل العلم في وجوب الأضحية أو كونها سنة مؤكدة ، والأحوط للمسلم أن لا يترك
الأضحية مع قدرته عليها ، لأن أداءها هو الذي يتعين به براءة ذمته ، والخروجُ من
عهدة الطلب أحوطُ ، وأما غير القادر الذي ليس عنده إلا مؤنة أهله فإن الأضحية لا
تلزمه ، ومن كان عليه دين فإنه يقدمه على الأضحية لوجوب إبراء الذمة عند
الاستطاعة.
وأما
الاقتراض لشراء الأضحية ، فإن كان الإنسان يرجو وفاءً ، كمن له مرتب أو نحوه فإنه
يقترض ويضحي ، وإن كان لا يرجو وفاءً ، فإنه لا يقترض لئلا يشغل ذمته بشيء لا
يلزمه في مثل حاله .
فعلى
الإنسان أن يضحي عن نفسه وأهل بيته ، فيشركهم في ثواب الأضحية لينال بذلك عظيم
الأجر امتثالاً لأمر الله تعالى ، واقتداء بالنبي r
حيث ضحى عن نفسه وأهل بيته .
وفي
الأضحية إحياءُ سنةِ أبينا إبراهيم r
، وفيها تقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم ، وفي الأضحية توسعة على الأهل والفقراء
يوم العيد ، والإهداء لذوي القربى والجيران .
وذبح
الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها ، لما فيها من تعظيم الله تعالى بذبحها تقرباً إليه
، وإظهارَ شعائرِ دينه ، وغير ذلك من المصالح التي تربو على مصلحة الصدقة بثمنها .
وإذا
كان المقصود بالأضحية هو الذبح تقرباً إلى الله ، فإنه ينبغي للإنسان أن يذبح
أضحيته في بيته ، وأن يأكل منها ، ويطعم ، قال تعالى عن الهدي : ]
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [
[الحج/28] والمراد
به : شديدُ الحاجة ، المعدمُ من المال .
وعليه
فلا أرى نقل الأضحية إلى البلاد التي تظهر فيها الحاجة بأن يرسل دراهم ليضحى بها
عنه ، لأمرين :
الأول
: أن الأضحية شعيرة من شعائر الدين التي تتعلق بالإنسان ، وفي ذبحها في البيت
إحياء لهذه الشعيرة ، وإدخال السرور على الأهل والأولاد ، وإرسالها يفوت ذلك .
الثاني
: أنه بإمكان الإنسان القادر أن يبعث إلى تلك البلاد دراهم أو أطعمة أو أكسية أو
نحو ذلك وقد يكون نفعها أكثر من لحم الأضحية .
اللهم
رحمتك نرجو ، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأصلح لنا شأننا كله ، لا إله
إلا أنت ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا
محمد …
[5/12]
ذِكْرُ شيءٍ من أحكام الأضحية
عن
جابر t
قال : قال رسول الله r : ( لا تذبحوا إلا مُسِنَّةً إلا أن يَعْسُرَ عليكم ، فتذبحوا
جَذَعَةً من الضأن ) أخرجه مسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على أن شرط صحة الأضحية أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً ، لقوله : ( لا تذبحوا إلا مسنة
) والمسنة : بضم الميم ، وكسر السين ، والنون المشددة ، وهي الكبيرة بالسن ، فمن
الإبل ما تم له خمس سنين ، ومن البقر ما تم له سنتان ، ومن الغنم ما تم له سنة ،
وهذا هو الثني من بهيمة الأنعام .
ويستثنى
من الغنم الضأن فتجوز التضحية به إذا كان جذعاً ، وهو ما تم له ستة أشهر ، وظاهر
الحديث أنه لا يجزئ الجذع من الضأن إلا عند تعسر المسنة إما بفقدها أو العجز عن
ثمنها ، لكن حمله الجمهور على الاستحباب ، فقالوا تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع
وجود الثنية ، لأدلة أخرى تدل بمجموعها على جواز التضحية بالجذع .
وإذا
اشترى الإنسان الأضحية عَيَّنَهَا إما باللفظ ، كقوله : ( هذه أضحية ) أو بذبحها
يوم العيد بنية الأضحية ، ولو لم يتلفظ بذلك قبل الذبح ، وأما الشراء بنية الأضحية
فهو موضع خلاف بين العلماء .
فإذا
عينها ترتب عليها الأحكام الآتية :
1
- أنه لا يجوز بيعها ، ولا هبتها ، ولا إبدالها إلا بخير منها ، وإذا مات من عينها
ذُبحت عنه ، وقام ورثته مقامه في الأكل والصدقة والهدية .
2
- إذا حصل لها عيب يمنع الإجزاء ، كَعَرَجٍ بَيِّنٍ ، فإن كان بتفريط منه لزمه
إبدالها بسليمة ، وإن كان بدون تفريط منه ذبحها وأجزأت .
3
- إذا ضاعت أو سرقت فإن كان بتفريط منه لزمه بدلها ، وإن لم يكن بتفريط منه فلا
شيء عليه ، ومتى وجدها ذبحها ولو فات وقت الذبح ، وعمل بها كما يعمل لو ذبحت أيام
النحر .
4
- لا يجوز بيع شيء منها ، أما ما أهدي إليه أو تُصدِّق به عليه من لحم الأضحية فله
التصرف فيه بما شاء من إهداء أو بيع ، لأنه مَلَكَهُ ملكاً تاماً ، لكن لا يبيعه
على من أهداه أو تصدق به .
اللهم
إنا نسألك من الخير كلِّه ، ما علمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كلِّه ما
علمنا منه وما لم نعلم ، وجنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ، واغفر اللهم
لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد ..
[6/12]
العيوب المانعة من الإجزاء
عن
البراء بن عازب t قال : قام فينا رسول الله r فقال : ( أربع لا تجوز في الأضاحي - وفي رواية : لا تجزيء -
العوراء البين عَورُها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظَلَعُها ،
والكسيرة التي لا تُنْقِي) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم ، وقال
الترمذي : حديث حسن صحيح(1).
.
*
* *
الحديث
دليل على أن هذه العيوب الأربعة مانعة من صحة الأضحية ، وبقاس عليها غيرها مما هو
أشد منها أو مساوياً لها .
الأولى
: العوراء البين عورها : وهي التي انخسفت عينها أو برزت ، فإن كان على عينها بياض
ولم تذهب جازت التضحية بها ، لأن عورها غير بين ، ويلحق بالعوراء العمياء من باب
أولى ، فإنها لا تجزيء وإن لم تنخسف عينها ، لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقاتها
ويمنعها من المشاركة في العلف .
الثانية
: المريضة البين مرضها : وهي التي ظهرت عليها آثار المرض الذي يُقْعِدُهَا عن الرعي
مما يسبب لها الهزال ، ومن ذلك الجَرَبُ الظاهر ، لأنه يفسد اللحم والشحم .
الثالثة
: العرجاء البين ظَلَعُهَا : أي عَرَجُهُا ، والضَّلَعُ بفتح الظاء واللام هو
الغَمْزُ ، فالعرجاء هي التي تَغْمِزُ في يدها أو رجلها خلقة أو لعلة طارئة ،
والبين عرجها هي التي تتخلف عن القطيع .
ويلحق
بها الزَّمْنَى وهي العاجزة عن المشي لعاهة ، لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء
البين ظلعها ، وكذا مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين ، لأنها أولى من العرجاء ،
ولأنها ناقصة في عضو مقصود .
الرابعة
: الكسيرة التي لا تُنقي : أي لا نِقْيَ لها ، والنِّقْيُ - بكسر النون وسكون
القاف - : هو المخ ، أي : التي لا مخ فيها لضعفها .
فإن
كان العيب يسيراً فهو معفو عنه ، كما لو كان في عينها نقطة يسيرة أو العرج يسيراً
لا يؤدي بها إلى القعود عن القطيع فإنها تجزئ ، وكذا المهزوله التي ليست غاية في
الهزال .
وقد
دل الحديث بمفهومه على أن ما عدا العيوب الأربعة وما في معناها لا يمنع الإجزاء ،
وذلك لأن الحديث خرج مخرج البيان والحصر ، لأنه جواب سؤال ، والظاهر أنه كان حال
خطبة وإعلان ، لقول البراء : ( قام فينا ) ولو كان غير الأربعة مانعاً من الإجزاء
للزم ذكره ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
ولا
يضر الكي ولا شق الأذن ولا خرقها ولا كسر القرن ، لأن ذلك لا ينقص لحمها ، ولأنه
يكثر وجوده ، والسليمة من ذلك أولى .
ولا
تجوز التضحية بمقطوع الألية ، لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود ، أما إذا كانت من
نوعٍ لا ألية له بأصل الخلقة فإنها تجزئ .
اللهم
أعذنا من أسباب المخالفة والعصيان ، وارزقنا تحقيق الإيمان على الوجه الذي يرضيك
عنا ، واغفر لنا ما قدمنا وما أخرَّنا ، وما أسررنا وما أعلنّا ، وما أنت أعلم به
منا ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
[7/12]
بعض المسائل المتعلقة بالأضحية
عن
أنس t
قال : ضحى النبي r بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسَمَّى وكَبَّرَ ،
ووضع رجله على صِفَاحِهِمَا ) أخرجه البخاري
ومسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على مسائل تتعلق بالأضحية ، نوجز أهمها فيما يلي :
1
- أن الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء ، لأنه r
وأصحابه كانوا يضحون عن أنفسهم وأهليهم
، وأما تخصيصها بالأموات دون الأحياء ، كما يفعله بعض الناس فلا أصل له ، إلا إن
كانت وصية فإنها تنفذ ، والسنة أن يضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته ويُشْرِكُ معه
من شاء من الأموات في ثوابها، وفضل الله واسع .
2
- أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى ، لأنه r
ضحى بكبشين ، لأن لحمه أطيب ، مع جواز التضحية بالأنثى بالإجماع .
3
- استحباب التضحية بالأقرن ، وأنه أفضل من الأجم - وهو ما لا قرن هل - مع جواز
التضحية بالأجم اتفاقاً ، وهو ما لا قرن له .
4
- مشروعية استحسان الأضحية صفةً ولوناً ، وذلك بأن تكون سمينة حسنة ، وأحسنها
الأملح ، والمراد به : الأبيض الخالص البياض ، أو ما بياضه أكثر من سواده ، وهذا
من تعظيم شعائر الله تعالى ، قال تعالى : ]
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [
[الحج/32] وقال
تعالى : ]
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [[الحج/36]
فتعظيم البدن من تعظيم شعائر الله ، قال
ابن عباس : ( الاستسمان ، والاستحسان ، والاستعظام ) (1) .
5
- استحباب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح ، لأن الذبح قربة ،
قال البخاري : ( أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهم ) (1) فإن لم يحسن استناب مسلماً عالماً
بشروط الذبح ، وحضر ذبحها ، لأن النبي r
استناب علياً في ذبح ما بقي من بُدْنِهِ في حجة الوداع (2).
6
- أن من أراد أن يضحي بعدد فالأفضل ذبحها في يوم العيد ، والتفريق في أيام النحر
جائز ، وفيه نفع للمساكين ، ويستمر الذبح إلى آخر الثالث عشر على الراجح من قولي
أهل العم .
7
- مشروعية التسمية والتكبير عند ذبح الأضحية ، فيقول : ( بسم الله ، والله أكبر )
أما التسمية فواجبة ، وأما التكبير فمستحب ، ولا يسن الزيادة على ذلك لعدم وروده ،
إلا الدعاء بالقبول ، ولا تشرع الصلاة على النبي r
في هذا الموضع ، لأنه غير لائق في هذا المقام .
ولابد
أن تكون التسمية عند الذبح فلو وقع فاصل طويل أعادها ، إلا إذا كان الفصل لتهيئة
الذبيحة وأخذ السكين ، والمعتبر أن تكون التسمية على ما أراد ذبحه ، فلو سمى على
شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية ، وأما تغيير الآلة فلا يؤثر على التسمية .
اللهم
تقبل طاعاتنا ، وتجاوز عن تقصيرنا ، اللهم ارزقنا علماً نافعاً ، وعملاً متقبلاً ،
ورزقاً طيباً ، اللهم أجب دعاءنا ، وحَقِّقْ رجاءنا ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا
ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
[8/12]
فضل صوم يوم عرفة
عن
أبي قتادة الأنصاري t أن رسول الله r سئل عن صوم يوم عرفة ، قال : ( يكفر السنة الماضية والسنة
القابلة ) أخرجه مسلم (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على فضل صوم يوم عرفة وجزيل ثوابه عند الله تعالى حيث إن صيامه يكفر ذنوب
سنتين .
وإنما
يستحب صيام يوم عرفة لأهل الأمصار ، أما الحاج فلا يسن له صيامه ، بل يفطر تأسياً
بالنبي r
.
فعلى
المسلم المقيم أن يحرص على صيام هذا اليوم العظيم اغتناماً للأجر ، وإذا وافق يوم
عرفة يوم الجمعة فإنه يصام ، وأما ما ورد من النهي عن إفراد يوم الجمعة في الصوم
فإنما هو لذات يوم الجمعة ، وأما يوم عرفة فإنما يُصام لهذا المعنى وافق جمعةً أو
غيرها ، فدل على أن الجمعة غير مقصودة .
والذنوب
التي تكفَّر بصيام يوم عرفة هي الصغائر ، وأما الكبائر كالزنا وأكل الربا والسحر
وغير ذلك ، فلا تكفرها الأعمال الصالحة بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما
يتعلق به حد ، وهذا قول الجمهور .
وعلى
المسلم أن يحرص على الدعاء اغتناماً لفضله ورجاءً للإجابة ، فإن دعاء الصائم
مستجاب ، وإذا دعا عند الإفطار فما أقرب الإجابة وما أحرى القبول ! .
وأعلم
أنه يشرع التكبير بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ، وصفته : (
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ) .
(
قيل لأحمد - رحمه الله - : بأي حديث تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة
إلى آخر أيام التشريق ؟ قال : بالإجماع : عمرَ وعليٍّ وابنِ عباس وابنِ مسعود رضي
الله عنهم ) (1).
وعن
عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -قال : ( غدونا
مع رسول الله r من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر
) أخرجه مسلم (2) ، ومثله ورد عن أنس t
متفق عليه (3) .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور
السلف الفقهاء من الصحابة والأئمة أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق
عقب كل صلاة ) (4) .
اللهم
رحمتك نرجو ، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأصلح لنا شأننا كله ، لا إله
إلا أنت ، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا
محمد …
[9/12]
شعائر يوم العيد
عن
عبد الله بن قُرْطٍ t عن النبي r : ( إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر ثم يوم القَرِّ
) أخرجه أبو داود بإسناد جيد (1) .
*
* *
الحديث
دليل على فضل يوم النحر وأنه أعظم الأيام عند الله تعالى وهو يوم الحج الأكبر ،
كما قال النبي r
: ( يوم الحج الأكبر يوم النحر
) أخرجه أبو داود بسند صحيح (2) .
وعن
عقبة بن عامر t
قال : قال رسول الله r
: ( يومُ عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق
، عيدنا أهلُ الإسلام … ) أخرجه أصحاب السنن
إلا ابن ماجة بإسناد صحيح (3)
وعيد
النحر أفضل من عيد الفطر ، لأن عيد النحر فيه الصلاة والذبح ، وذلك فيه الصدقة
والصلاة ، والنحر أفضل من الصدقة ، كما أن يوم النحر يجتمع فيه شرف المكان والزمان
لأهل الموسم .
وفي
هذا اليوم وظائف نرتبها كما يلي :
1
- الخروج إلى مصلى العيد على أحسن هيئة ، متزيناً بما يباح ، تأسياً بالنبي r
، ولا يترك التنظف والتزين حتى يذبح أضحيته ، كما يفعله بعض الناس ، ويبكر إلى
المصلى ، ليحصل له الدنو من الإمام ، وفضل انتظار الصلاة.
2
- يسن التكبير في طريقه إلى المصلى حتى يخرج الإمام للصلاة ، وإذا شرع الإمام في
الخطبة ترك التكبير ، إلا إذا كبر فيكبر معه .
3
- تسن مخالفة الطريق ، وهو أن يذهب من طريق ويرجع من آخر ، لما ورد عن جابر بن عبد
الله - رضي الله عنهما - قال : ( كان النبي r إذا كان يوم عيد خالف الطريق )
أخرجه البخاري(1) .
4
- يسن في عيد الأضحى ألا يأكل شيئاً حتى يصلي ، لما ورد عن عبد الله ابن بريدة عن
أبيه قال : ( كان النبي r لا يخرج يوم الفطر حتى يَطْعَمَ ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى
يصلي ) أخرجه الترمذي (2) .
5
- صلاة العيد سنة مؤكدة يحرص المسلم على أدائها ، وينبغي حث الأولاد على حضورها ،
حتى الصبيان ، إظهاراً لشعائر الإسلام ، ومن أهل العلم من قال بوجوبها .
6
- بعد الصلاة والخطبة يذبح أضحيته بيده إن كان يحسن الذبح، ويأكل منها ، ويهدي
للأقارب والجيران ، ويتصدق على الفقراء ، ويجوز ادخار لحوم الأضاحي ، وأما النهي
عن الادخار وعن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث فهو منسوخ على قول الجمهور ، ويرى بعض
أهل العلم أنه غير منسوخ بل متى وجد بالناس حاجة حرم الادخار .
ولا
تجوز الاستهانة بلحوم الأضاحي أو رَمْيُ ما يحتاج منها إلى تنظيف بحجة مشقة تنظيفه
، بل من تمام الشكر الاستفادة منها كلِّها أو إعطائها من يستفيد منها ولو كلف ذلك
جهداً .
7
- لا بأس بالتهنئة بالعيد ، وتجب زيارة الوالدين والأقارب ، وزيارتهم تقدم على
زيارة الاخوة في الله ، لأن الواجب على المسلم أن يبدأ بمن حقهم آكد وصلتهم أو
جب .
اللهم
آت نفوسنا تقواها ، وزكِّها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم أحسن
عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، واغفر لنا
ولوالدينا وجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
[10/12]
فضل أيام التشريق
عن
نُبَيْشَةَ الهذلي t قال : قال رسول الله r : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ) وفي رواية : ( وذكر لله عز
وجل ) أخرجه مسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على فضل أيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، سميت
بذلك لأن الناس يُشَرِّقُونَ فيها لحوم الأضاحي والهدايا ، أي : يقددونها وينشرونها لِتَجِفَّ .
وهي
من الأيام الفاضلة والمواسم العظيمة ، وهي الأيام المعدودات المذكورة في قوله
تعالى : ]
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [
[البقرة/203] ولا
خلاف في ذلك كما نقله غير واحد .
وقد
دل هذا الحديث على أمرين :
الأول
: أن أيام التشريق أيام أكل وشرب وإظهار للفرح والسرور والتوسعة على الأهل
والأولاد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بمحظور ولا شاغل عن طاعة
الله تعالى ، قال النبي r
: ( يوم
عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهلَ الإسلام
) (2) .
ولا
مانع من التوسع في الأكل والشرب ولا سيما اللحم ، لأن الرسول r
وصفها بأنها أيام أكل وشرب ، ما لم يصل
ذلك إلى حد الإسراف والتبذير ، أو التهاون بنعم الله تعالى .
الأمر
الثاني : أن هذه الأيام أيام ذكر لله تعالى ، وذلك بالتكبير عقب الصلوات وفي كل
الأوقات والأحوال الصالحة لذكر الله تعالى ، ومن ذلك ذكر الله تعالى على الأكل
والشرب بتسمية الله في أوله ، وتحميده في آخره ، وإن كان هذا عاماً في كل وقت لكنه
متأكد فيها .
فعلى
المسلم أن يحذر الغفلة عن ذكر الله تعالى ، فيكون قد أخذ أول الحديث وترك آخره ،
وعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بالطاعة وفعل الخير ، ولا يضيعها باللهو واللعب
، كما عليه كثير من الناس في زماننا هذا ، من السهر وتفويت الصلاة المفروضة عن
وقتها ، وقتل الوقت ، والاستعانة بنعم الله على معاصيه ، والعكوف على آلات اللهو
والطرب .
واعلم
أنه لا يجوز صيام أيام التشريق فمن وافق عادته يوم الخميس فلا يصومه ، وكذا أيام
البيض فلا يصوم الثالث عشر ، ويستثنى من ذلك المتمتع الذي لم يجد الهدي ، لما ورد
عن ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - قالا :
( لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن
يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي ) أخرجه البخاري (1) .
اللهم
اجعل خير أعمارنا آخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك ، وتوفنا
وأنت راضٍ عنا ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
الاعتبار بمرور الأيام والأعوام
قال
تعالى : ] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ [ [آل عمران/190] وقال تعالى : ] إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ
اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ [ [يونس/6] وقال تعالى : ] يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ[ [النور/44] .
*
* *
في
هذه الآيات الكريمات يخبر الله تعالى عن الآيات الكونية الدالة على كمال علمه وقدرته
، وتمام حكمته ورحمته ، ومن ذلك اختلاف الليل والنهار ، وذلك بتعاقبهما ،
واختلافهما بالطول والقصر ، والحر والبرد والتوسط ، وما فيس ذلك من المصالح
العظيمة لكل ما على الأرض ، وكل ذلك من نعم الله تعالى ورحمته بخلقه ، الذي لا
يدركه إلا أصحاب العقول السليمة والبصائر النَّيِّرة ، الذين يدركون حكمة الله
تعالى في خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، ويدركون ما في تعاقب الشهور والأعوام
، وتوالي الليالي والأيام .
والله
تعالى جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ، ومراحل للآجال ، إذا ذهب أحدهما خلفه
الآخر ، لإنهاض همم العاملين إلى الخيرات ، وتنشيطهم على الطاعات ، فمن فاته الورد
بالليل استدركه بالنهار ، ومن فاته بالنهار استدركه بالليل ، قال تعالى : ]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ
يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً[
[الفرقان/62] .
وينبغي
للمؤمن أن يأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام ، فإن الليل والنهار يبليان كل
جديد ، ويقرِّبان كل بعيد ، ويطويان الأعمار ، ويشيِّبان الصغار ، ويفنيان الكبار
، وكل يوم يمر بالإنسان فإنه يبعده من الدنيا ويقرِّبه من الآخرة .
فالسعيد
- والله - من حاسب نفسه ، وتفكر في انقضاء عمره ، واستفاد من وقته فيما ينفعه في
دينه ودنياه ، ومن غفل عن نفسه تصرَّمت أوقاته ، وعَظُمَ فواته ، واشتدت حسراته ،
نعوذ بالله من التفريط والتسويف .
ونحن
في هذه الأيام نودِّع عاماً ماضياً شهيداً ، ونستقبل عاماً مقبلاً جديداً ، فعلينا
أن نحاسب أنفسنا ، فمن كان مفرطاً في شيء من الواجبات فعليه أن يتوب ويتدارك ما
فات ، وإن كان ظالماً لنفسه بارتكاب ما نهى الله ورسوله عنه ، فعليه أن يقلع قبل
حلول الأجل ، ومَنْ منَّ الله عليه بالاستقامة فليحمد الله على ذلك وليسأله الثبات
إلى الممات .
وليست
هذه المحاسبة مقصورة على هذه الأيام ، بل هي مطلوبة كل وقت وأوان فمن لازَمَ
محاسبة النفس استقامت أحواله ، وصلحت أعماله ، ومن غفل عن ذلك ساءت أحواله ، وفسدت
أعماله .
ومما
يؤسف عليه أن كثيراً من الناس إذا بدأ العام يَعِدُ نفسه بالجد والعزيمة الصادقة
لإصلاح حاله ، ثم يمضي عليه اليوم بعد الأيام والشهر بعد الشهور ، وينقضي العام
وحاله لم يتغير ، فلم يزدد من الخيرات ولم يتب من السيئات ، وهذه علامة الخيبة
والخسران .
اللهم
اجعل خير أعمالنا خواتمها ، وخير أعمارنا آخرها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، اللهم
أعزَّ المسلمين بطاعتك ، ولا تذلهم بمعصيتك ، اللهم اجعل عامنا هذا وما بعده عام
أمن وعزٍّ ونصر للإسلام والمسلمين ، وأسبغ علينا نعمك ، وارزقنا شكرها ، وصلّى
الله وسلم على نبينا محمد …
الحث على قِصَرِ الأمل في الدنيا
عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله r بمنكبيَّ فقال : ( كن
في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول : ( إذا
أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن
حياتك لموتك ) أخرجه البخاري (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على وجوب اغتنام الأوقات ، والحث على قِصَرِ الأمل ، وتقديم التوبة
والاستعداد للموت ، وهذا الحديث من أبلغ الكلام في التذكير بالآخرة وعدم الاغترار
بالدنيا ، وذلك أن الدنيا فانية ، مهما طال عمر الإنسان فيها ، فهي دار ممر لا دار
مقر ، وكل نفس ذائقة الموت ، وهذه حقيقة مشاهدة ، نراها كلَّ يوم وليلة ، ونحس بها
كلَّ ساعة ولحظة ، وإذا كان الإنسان لا يدري متى ينتهي أجله ويأتيه الموت فعليه أن
يستعد للرحيل ، وأن يكون عابر سبيل ، فلا يركن إلى الدنيا ولا يتعلق بها ولا
يتخذها وطناً ولا تحدثه نفسه بالبقاء فيها ، فلا يتعلق منها إلا بما يتعلق به
الغريب في غير وطنه الذي سيفارقه مهما تكن راحته وهناؤه ، وأن يكون فيها كالمسافر
الذي يكتفي بسفره بالقليل الذي يساعده على بلوغ غايته وتحقيق مقصده .
ولقد
أدرك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - موعظة رسول الله r
إدراكاً علمياً وعملياً ، وأخذ منه هذه الوصايا الثلاث العظيمة :
الأولى
:«
إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء »
ومعنى ذلك : حث المؤمن على قِصَرِ الأمل في هذه الحياة ، وأنه ينبغي له إذا
أمسى لا ينتظر الصباح ، وإذا أصبح لا ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله مدركه
قبل ذلك .
الوصية
الثانية : «
وخذ من صحتك لمرضك » والمعنى
: أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم أوقات الصحة وسلامة البدن من العلل ، وذلك بفعل الخير
والإكثار من الطاعات ، قبل أن يحول بينه وبينها السُّقْمُ ، فيعجز عن الصيام
والقيام وسائر الأعمال ، إذا اعتراه مرض أو علة أو كِبَرٌ .
الوصية
الثالثة : «
ومن حياتك لموتك » والمعنى
: أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم زمن الحياة وساعات العمر بتقديم الزاد ، ولا يفرط حتى
يدركه الموت ، ويحول بينه وبين الأعمال الصالحة .
وقد
ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله r
: ( نعمتان
مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ
) أخرجه البخاري(1) .
وعن
ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله r
قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً
قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ،
وحياتك قبل موتك ) أخرجه الحاكم وصححه (2) .
فالواجب
علينا ونحن نستقبل عاماً جديداً أن نغتنم الأوقات ، ونبادر بالأعمال الصالحة قبل
أن يحال بيننا وبينها ، إما بشغل أو مرض أو موت .
اللهم
أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار ، ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار ، اللهم أيقظ
قلوبنا من رقدات الآمال ، وذكِّرنا قربَ الرحيل ودنوَّ الآجال ، وثبت قلوبنا على
الإيمان ، ووفقنا لصالح الأعمال ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى
الله وسلم على نبينا محمد …
فضل شهر الله المحرم
عن
أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : ( أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم ، وأفضلُ الصلاة
بعد الفريضة صلاةُ الليل ) وفي رواية: ( الصلاة في جوف الليل ) أخرجه مسلم (1)
.
*
* *
الحديث
دليل على فضل صيام شهر الله المحرم ، وأن صيامه يلي فضل شهر رمضان في الأفضلية ،
وفضل الصيام فيه جاء من فضل أوقاته وتعظيم الأجر فيه ، لأن الصيام من أفضل الأعمال
عند الله تعالى .
وشهر
الله المحرم هو الشهر الذي تبدأ به السنة الهجرية ، كما تمَّ الاتفاق على ذلك في
عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t
، وهو أحد الأشهر الحرم التي ذكر الله في كتابه ، فقال تعالى : ]
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ
اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [
[التوبة/36] وعن
أبي بكرة t
عن النبي r
قال : ( …
السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم :
ثلاثة متوالية ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى
وشعبان ) متفق عليه(2) .
وقد
أضاف الله تعالى هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً ، لأن الله تبارك وتعالى لا يضيف
من الأشياء إليه إلا خواصُها كبيت الله ، ورسول الله ، ونحو ذلك ، وسمي محرماً
تأكيداً لتحريمه ، لأن العرب كانت تتقلب فيه ، فتحله عاماً وتحرمه عاماً .
وقوله
تعالى : ]
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [
أي : في هذه الأشهر المحرَّمة ، لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ، قال قتادة :
( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها ، وإن كان
الظلم على كل حال عظيماً ، ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء ) (1) .
وقد
جعل الله هذه الشهور الهلالية مواقيت للناس ، لأنها علامات محسوسة يعرف كل أحد
بدايتها ونهايتها ، ومما يؤسف عليه أن كثيراً من المسلمين تركوا التاريخ الهجري ،
وأخذوا بتاريخ النصارى الميلادي المبني على أشهر وهمية غير مبنية على مشروع ولا
معقول ولا محسوس .
وهذا
دليل الضعف والانهزامية والتبعية لغير المسلمين ، ومن مفاسده : ربط المسلمين
وناشئتهم بتاريخ النصارى ، وإبعادهم عن تاريخهم الهجري الذي ارتبط برسولهم r
وبشعائر دينهم وعبادتهم (2) ،
فالله المستعان .
وقد
دل الحديث على أن أفضل ما يتطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم ،
والظاهر أن هذا محمول على أنه أفضل شهر يُتطوع بصيامه بعد رمضان ، أما التطوع
بصيام بعض الأيام منه فقد يكون بعض الأيام أفضل من أيامه كيوم عرفة ، وستة أيام من
شوال .
وظاهر
الحديث فضل صيام شهر المحرم كاملاً ، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من
الصيام في شهر المحرم لا صومه كله ، لقول عائشة رضي الله عنها : ( … ما رأيت رسول الله r استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه
صياماً في شعبان ) أخرجه مسلم (3) .
اللهم
أيقظنا من رقدات الغفلة ، وارزقنا الاستعداد قبل النُّقلة ، وألهمنا اغتنام الزمان
وقت المهلة ، ووفقنا لفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وصلّى الله وسلم على نبينا
محمد …
يوم عاشوراء في التأريخ
عن
عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان
رسول الله r يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر بصيامه ،
فلما فُرِضَ رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه ) أخرجه البخاري
ومسلم (1) .
*
* *
الحديث
دليل على أن أهل الجاهلية كانوا يعرفون يوم عاشوراء ، وأنه يوم مشهور عندهم ،
وأنهم كانوا يصومونه ، وكان النبي r
يصومه - أيضاً - ، واستمر على صيامه قبل الهجرة ، ولم يأمر الناس بصيامه ، وهذا
يدل على قدسية هذا اليوم وعظيم منـزلته عند العرب في الجاهلية قبل بعثة النبي r
، ولهذا كانوا يسترون فيه الكعبة ، كما في حديث عائشة - أيضاً - رضي الله عنها ،
قالت : ( كانوا يصومون عاشوراء قبل أن
يفرض رمضان ، وكان يوماً تُسْتَرُ فيه الكعبة … الحديث ) أخرجه
البخاري (2) ، قال القرطبي : ( حديث
عائشة يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر ، ولعلهم كانوا
يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل - صلوات الله وسلامه عليهما -
فإنهم كانوا ينتسبون إليهما ، ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما …) (3).
والذي
يستفاد من مجموع الأدلة أن صوم عاشوراء كان واجباً في أول الأمر بعد هجرة النبي r
إلى المدينة ، على الصحيح من قولي أهل العلم (4)
، لثبوت الأمر بصومه ، وعن سلمة بن الأكوع t
قال : ( أمر النبي r رجلاً من أسلم أن أذن في الناس : أن من كان أكل فليصم بقية
يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء )
متفق عليه (1) .
ولما
فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسِخَ وجوبُ صومِ عاشوراء ، وبقي الاستحباب
، ولم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة ، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث
فرض عاشوراء في أولها ، ثم فرض رمضان بعد منتصفها ، ثم عزم النبي r
في آخر عمره - في السنة العاشرة - على ألا يصومه مفرداً بل يصوم قبله اليوم التاسع
، كما سيأتي - إن شاء الله - وهي صورة من صور مخالفة أهل الكتاب في صفة صيامهم .
اللهم
يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة ، ارزقنا التوبة إليك والإنابة ، وأيقظنا
يا مولانا من نوم الغفلة ، ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ، اللهم اجعلنا ممن توكل
عليك فكفيته ، واستهداك فهديته ، واستنصرك فنصرته ، وتضرع إليك فرحمته ، وصلّى
الله وسلم على نبينا محمد …
الترغيب في صيام يوم عاشوراء
عن
أبي قتادة t أن رسول الله r سئل عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : ( يكفر السنة الماضية ) وفي رواية : ( … وصيام
يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) أخرجه مسلم(1) .
*
* *
الحديث
دليل على فضل صيام يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، على القول
الراجح والمشهور عند أهل العم .
وعن
ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء ، فقال : ( ما علمت أن رسول الله r صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ، ولا شهراً
إلا هذا الشهر ، يعني رمضان ) متفق عليه(2) .
فينبغي
للمسلم أن يصوم هذا اليوم ، ويحث أهله وأولاده على صيامه ، اغتناماً لفضله ،
وتأسياً بالنبي r
.
وعن
جابر بن سمرة t
قال : ( كان رسول الله r يأمر بصيام يوم عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عليه … الحديث
) أخرجه مسلم(3) .
والصيام
من أفضل الأعمال عند الله تعالى ، ومن فوائد صوم التطوع - إضافة إلى ما رُتِّب عليه من الأجر -
أنه كغيره من التطوعات يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص أو تقصير ، وفي
ذلك قال النبي r
في شأن الصلاة: ( قال الرب تبارك وتعالى : انظروا
هل لعبدي من تطوع ؟ فَيُكَمَّلُ بها ما انْتَقَصَ من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله
كذلك )(4)
.
كما
أن صوم النفل يهيئ المسلم للترقي في درجات القرب من الله تعالى ، والظفر بمحبته ،
كما في الحديث القدسي : ( ما تَقرَّب
إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبَّه
… الحديث
)(1) .
وأعلم
أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب ، كالوضوء وصيام رمضان وصيام
يوم عرفة ، وعاشوراء وغيرها ، أن المراد به الصغائر ، لأن هذه العبادات العظيمة ،
وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تُكَفَّر بها الكبائر - كما ثبت في
السنة - ، فكيف بما دونها من الأعمال ؟
ولهذا
يرى جمهور العلماء أن الكبائر كالربا والزنا والسحر وغيرها ، لا تكفِّرها الأعمال
الصالحة ، بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد .
فعلى
المسلم أن يباد بالتوبة في هذه الأيام الفاضلة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ،
لعل الله تعالى أن يتوب عليه ويغفر ذنبه ، ويقبل طاعته ، لأن التوبة في الأزمنة
الفاضلة لها شأن عظيم ، فإن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ، ورغبتها في الخير ،
فيحصل الاعتراف الذنب ، والندم على ما مضى ، لا سيما ونحن في بداية عام جديد ،
وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان .
اللهم
يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا ، واستر في الدنيا والآخرة عيوبنا ، اللهم حبب
إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا
من الراشدين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
الحكمة من صيام يوم عاشوراء
عن
ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم رسول الله r المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسئلوا عن ذلك ،
فقالوا : هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، فنحن نصومه
تعظيماً له ، فقال رسول الله r : ( نحن أولى بموسى منكم ، فأمر بصيامه) أخرجه البخاري ومسلم
، وفي رواية لمسلم : ( فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه … )(1) .
*
* *
في
الحديث بيانٌ للحكمة العظيمة من مشروعية صيام يوم عاشوراء ، وهي تعظيم هذا اليوم
وشكرُ الله تعالى على نجاة موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل ، وإغراق فرعون
وقومه ، ولهذا صامه موسى عليه السلام شكراً لله تعالى ، وصامته اليهود ، وأمة محمد
r
أحق بأن تقتدي بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسى شكراً لله تعالى ، فنحن نصومه
كذلك ، ولهذا قال النبي r
: ( نحن أولى بموسى منكم
) وفي رواية : ( فأنا أحق بموسى منكم
) أي : نحن أثبت وأقرب لمتابعة موسى عليه السلام منكم ، فإنا موافقون له في أصول
الدين ، ومصدقون لكتابه ، وأنتم مخالفون لهما بالتغيير والتحريف ، والرسول r
أطوع وأتبع للحق منهم ، فلذا صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه ،
وتأكيداً لذلك .
وعن
أبي موسى t
قال : كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود ، وتتخذه عيداً ، فقال رسول الله r
: ( صوموا أنتم
) أخرجه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء
يتخذونه عيداً ، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ، فقال رسول الله r
: (
فصوموا أنتم )(2)
.
وظاهر
هذا أن من حكمة صومه مخالفة اليهود ، وذلك بعدم اتخاذه عيداً ، والاقتصار على صومه
، لأن يوم العيد لا يصام ، وهذا أوجه من مخالفة اليهود في يوم عاشوراء ، وسيأتي -
إن شاء الله - وجه آخر من المخالفة ، وهو صوم التاسع قبله .
وقد
ضلَّ في هذا اليوم طائفتان :
طائفة
شابهت اليهود فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور ، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب
والاكتحال ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ، ونحو
ذلك من عمال الجهال ، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، والبدعة بالبدعة .
وطائفة
أخرى اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ، لأجل قتل الحسين بن علي - رضي الله
عنهما - تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب ، وإنشاد قصائد الحزن ،
ورواية الأخبار التي كذبها أكثر من صدقها ، والقصد منها فتح باب الفتنة ، والتفريق
بين الأمة ، وهذا عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .
وقد
هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم r
من الصوم ، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه ، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من
البدع ، فلله الحمد والمنة .
اللهم
فقهنا في ديننا ، وارزقنا العمل به والاستقامة عليه ، ويسِّرنا لليسرى ، وجنبنا
العسرى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد.
استحباب صيام اليوم التاسع مع العاشر
عن
ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله r لما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله ، إنه
يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله r : ( فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع
) قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله r . أخرجه مسلم ، وفي رواية له : ( لئن بقية إلى قابل لأصومن
التاسع )(1) .
*
* *
الحديث
دليل على أنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله يوماً ، وهو اليوم
التاسع ، فيكون صوم التاسع سنة وإن لم يصمه النبي r
، لأنه عزم على صومه ، والغرض من ذلك - والله أعلم - أن يضمه إلى العاشر ليكون
هديه مخالفاً لأهل الكتاب ، فإنهم كانوا يصومون العاشر فقط ، وهذا تشعر به بعض
الروايات في مسلم ، وقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه : ( صوموا
التاسع والعاشر خالفوا اليهود )(2) .
وفي
هذا دلالة واضحة على أن المسلم منهي عن التشبه بالكفار وأهل الكتاب ، لما في ترك
التشبه بهم من المصالح العظيمة ، والفوائد الكثيرة ، ومن ذلك قطع الطرق المفضية
إلى محبتهم والميل إليهم ، وتحقيق معنى البراءة منهم ، وبغضهم في الله تعالى ،
وفيه - أيضاً - استقلال المسلمين وتميزهم
.
وقد
ذكر أهل العلم أن أفضل المراتب في صيام عاشوراء ، صوم ثلاثة أيام : التاسع والعاشر
والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس : ( خالفوا اليهود وصوموا قبله يوماً وبعده
يوماً )(3) ، وهذا حديث ضعيف ، لا يعول عليه ، إلا
أن يقال إن صيام الثلاثة يأتي فضلها زيادة على فضل عاشوراء لكونها من شهر حرام ،
ورد الحث على صيامه ، وليحصل فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد ورد عن الإمام
أحمد أنه قال : ( من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور
فيصوم ثلاثة أيام ، ابن سيرين يقول ذلك )(1)
.
والمرتبة
الثانية : صوم التاسع والعاشر ، وعليها أكثر الأحاديث ، وتقدمت .
والمرتبة
الثالثة : صوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس
مرفوعاً بلفظ : ( صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا فيه
اليهود ، صوموا قبله يوماً ، أو بعده يوماً )
وهو حديث ضعيف(2) .
والمرتبة
الرابعة : إفراد العاشر بالصوم ، فمن أهل العلم من كرهه ، لأنه تَشَبُّهٌ بأهل
الكتاب ، وهو قول ابن عباس على ما هو مشهور عنه ، وهو مذهب الإمام أحمد ، وبعض
الحنفية ، وقال آخرون : لا يكره ، لأنه من الأيام الفاضلة فيستحب إدراك فضيلتها
بالصوم ، والأظهر أنه مكروه في حق من استطاع أن يجمع معه غيره ، ولا ينفي ذلك حصول
الأجر لمن صامه وحده ، بل هو مثاب إن شاء الله تعالى .
اللهم
وفقنا لما يرضيك ، وجنبنا معاصيك ، واجعلنا من عبادك الصالحين ، وحزبك المفلحين ،
واعف عنا وتب علينا ، واغفر لنا ولوالدينا ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …
(1)
لطائف المعارف ص (39) ، وأبو عثمان النهدي ترجمه الحافظ في تهذيب التهذيب (6/249) وقد مات في نهاية القرن
الأول .
(2)
أخرجه أبو داود (1721) والنسائي (5/111) وابن ماجه (2886) وأحمد (5/331) من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو حديث صحيح ، وأصله في مسلم (1337) من حديث أبى هريرة t .
(1) البخاري (1683) ومسلم (1349) .
(2) أخرجه أحمد (13/65 الفتح ) والترمذي (5/96 تحفة ) وسنده حسن .
(1) أخرجه أبو داود (5/184) بإسناد جيد ، كما قال الألباني في تخريج المشكاة (2/810) ، ويوم
القر : هو اليوم الذي يلي يوم النحر ، لأن الناس يقرون بمنى .
(3) أخرجه أبو داود (2419) والترمذي (773) والنسائي (5/252) وأحمد (28/605) وإسناده صحيح .
(2) أخرجه الترمذي (3/98) وابن ماجه
(1/292) وأحمد (28/87) من طريق ثوَّاب بن عتبة عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه مرفوعاً ، وإسناده حسن ،
ثواب بن عتبة متكلم فيه ، وقد
وثقه ابن معين ، وقال أبو داود : ( ليس
به بأس ) وعليه فهو صدوق حسن الحديث ، وهذا الحديث صححه الحاكم (1/294) ووافقه
الذهبي وكذا ابن حبان وابن خزيمة وابن القطان .
(2)
أخرجه أحمد (4/152) وأبو داود رقم (2419) والترمذي (773) والنسائي (5/252) وغيرهم ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وصححه ابن
خزيمة (2100) وابن حبان (8/368) .
(2) المستدرك (4/306) وصححه على شرط
الشيخين ، ووافقه الذهبي ،
وصححه الألباني في « اقتضاء العلم العمل » ص (100) ، وله شاهد عن عمر بن ميمون ،
أخرجه ابن المبارك في « الزهد » رقم (2) ، وأبو نعيم في «الحلية» (4/148) ،
والخطيب في « الاقتضاء » ص (100 - 101) قال الألباني : ( هذا إسناد مرسل حسن ) .
(2) صحيح البخاري (4662) ومسلم (1679) .
(1) صحيح البخاري (2007) ومسلم (1135) ، وله شاهد من حديث الرُّبَيِّع
بنت معوِّذ عند البخاري (1960) ومسلم (1136) وشواهد أخرى عند أحمد وغيره .
(4) رواه الترمذي بتمامه (413)عن أبي هريرة t
مرفوعاً ،
وقال : ( حديث حسن ) لكن فيه حُريث بن قبيصة أو قبيصة بن حريث ، وهو ضعيف ، ولعل
الترمذي حسنه باعتبار طرقه.
(2) أخرجه أحمد (4/52) وابن خزيمة (3/290) (2095) والطحاوي في « شرح
معاني الآثار » (2/78) والبيهقي (4/287) من طرق ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي
ليلى ، عن داود بن علي ، عن أبيه ، عن جده ابن عباس به مرفوعاً ، وهذا إسناد ضعيف
، ولا يصح رفعه ، لما يلي :
1
- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ جداً ، كما قال الحافظ في « التقريب »
.
2
- داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ، ذكره ابن حبان في « الثقات » (6/281) وقال
: ( يخطئ ) ، وقال الحافظ في «
التقريب » : ( مقبول ) أي : عند المتابعة وإلا فليِّن الحديث ، وليس له في الكتب
الستة إلا حديث واحد عند الترمذي (3419) ، ولعل الحافظ الذهبي لخص القول فيه ، كما
في « سير أعلام النبلاء » (5/444) حيث قال : ( ما هو بحجة ،ولم يُقَحِّم أولو
النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم ).
3
- علة الرفع ، فقد تقدم أن الموقوف جاء من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس
، وهم أو ثق وأحفظ من رجال طريق الرفع ، ولعل كلمة ابن حبان في داود بن علي فيها
إشارة إلى ذلك ، ومما يؤيد رواية الوقف ما أخرجه الشافعي في مسنده (1/272 ترتيبه )
عن سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس موقوفاً ، كذلك ،
وإسناده صحيح .
No comments:
Post a Comment